الحمد لله الذي لا يُستفتح بأفضل من اسمه كلام فـأبدأ بـ بسم الله الرحمن الرحيم
كُلنا يعرف بأن الصوم هو ركن ٌ من أركان الإسلام التي بُني عليها ،والصيام بدوره يؤدي مهمات كبرى
تتصل بالسلوك والمعاملة ، به تروض النفوس وتُقاوم الأهواء .
فرمضان له خصوصية تفرد بها عن بقية الشهور بالذكر والذكرى . ما إن يقرب انصرام شعبان أو يهلُ هلال رمضان
حتى تنشرح نفوسنا وتَسعَد فرحاً بلقياه . وهكذا تدور الكرة كل مرة .
فما نفتأ نردد ذكريات رمضان ونجدد الشوق والحنين لنغنم من مواسم الخيرات ونتمنى عودهُ حال رحيله .
فيا ليت كل الشهور أصبحت وأضحت و أمست رمضان . وإذا كانت تلك هي مشاعرنا ، فما حال شعرائنا
الذين هم أرق منا عاطفة وأبلغ و أجمل قولا .فقد فاضت قرائح الشعراء القدامى والمعاصرين
بقصائد الإجلال والتعظيم لهذا الشهر المبارك فهذا أبو نواس الذي ارتكب الموبقات وعاش عمره في انتهاك المحرمات
وكان يتململ من شهر رمضان ، تصدمه الحقيقة فيعود إلى ربه متوسلاً بأن يطيل شهر رمضان فيقول :
شهر الصيام غداً مواجِهنا *** فليعقبن رعية النســـــــكِ
أيامهُ كوني سنين ، و لا *** تفنى فلستُ بسائم منـــك ِ
ومن أحسن ما قيل في التهنئة بقدوم شهر رمضان:
نلت في ذات الصيام ما ترتجيه ... ووقاك الله لـه مـا تتقـيــــــــه
أنت في الناس مثل شهرك في ... الأشهر أو مثـل ليلـة البـدر فيـه
ولهبة الله بن الرشيد جعفر بن سناء الملك في التهنئة بقدوم شهر رمضان من قصيدة طويلة:
تَهَنَّ بهذا الصوم يا خيـر صائر إلى... كل ما يهوى ويا خير صائـم
ومن صام عن كل الفواحش عمره ... فأهون شيءٍ هجـره للمطاعـم
وقال بعضهم في استقبال رمضان والفرح به :
جاء شهرالصيام بالبركات
فأَكـرِمْ به من زائرٍ هُوَ آت
ويقول الشاعر الصقلي:
قلت والناس يرقبون هلالا ... يشبه الصب من نحافة ِ جسمه
من يكن صائما فذا رمضان ... خط بالنور للورى أول اسمه
ويذكر البحتري هلال شهر شعبان حين أصبح قمراً يؤذن بطلوع شهر رمضان ،
فيقول :
قم نبادر بها الصيام فقد ... أقمر ذاك الهلال من شعبان
وتحدث الكثير من الشعراء العرب على مر العصور الإسلامية عن فضائل الشهر الكريم فقال أحدهم:
أدِم الصيام مـع القيـام تعبــــــــــدا ... فكلاهما عمـلان مقـبـولان
قم في الدجى واتل الكتاب ولا تنم... إلا كنومة حـائـر ولـهــــــان
فلربمـا تأتـي المنـيـة بغتـــــــــــة ... فتساق من فـرس إلـى أكفـان
يا حبذا عينان في غسق الدجــــى ... من خشيـة الرحمـن باكيتـان
وللصاحب بن عباد:
قد تعدَّوا على الصيام وقالـوا ... حُرم العبد فيه حسن العوائد
كذبوا في الصيام للمرء مهما ... كان مستيقظًا أتم الفوائــــد
موقف بالنهار غيـر مريـــب ... واجتماع بالليل عند المساجد
وفي شهر الصيام ، تصوم الجوارح كلها عن معصية الله تعالى ، فتصوم العين بغضها عما حرم الله النظر إليه،
ويصوم اللسان عن الكذب والغيبة والنميمة ، وتصوم الأذن عن الإصغاء إلى ما نهى الله عنه ،
ويصوم البطن عن تناول الحرام ، وتصوم اليد عن إيذاء الناس، والرجل تصوم عن المشي إلى الفساد فوق الأرض .
وفي ذلك يقول أبو بكر عطية الأندلسي :
إذا لم يكن في السمع منـي تصام .. وفي مقلتي غض، وفي منطقي صمـت
فحظي إذن من صومي الجوع والظمأ ... وإن قلت : إني صمت يوما فما صمت
ويقول الصابي في الذي يصوم عن الطعام فقط ويدعو إلى التخلي عن العيوب والآثام :
يا ذا الذي صام عن الطعام ... ليتك صمت عن الظلـــــم
هل ينفع الصوم امرؤ طالما ... أحشاؤه ملأى من الإثـم
ويؤكد أحمد شوقي ذات المعنى فيقول :
يا مديم الصوم في الشهر الكريم ... صم عن الغيبة يوما والنميمة
و قال أيضا:
وصلِّ صلاة من يرجو ويخشى ... وقبل الصوم صُم عن كل فُحشا
ولقد ذم بعض الشعراء ذلك الصنف من الموسرين البخلاء في رمضان والذين لم يعودوا أنفسهم على الجود والكرم والعطاء ،
وفي هذا يقول الشاعر علي الجارم الذي نزل ضيفا عند أحد البخلاء فهجاه: بقوله
أتى رمضـان غير أن سـراتنا ... يزيـدون صومـا تضيق به النفــــــــس
يصومون صوم المسلمين نهاره ...وصوم النصارى حينما تغرب الشمس
و دخل شاعر على رجل بخيل فامتقع وجه البخيل وظهر عليه القلق والاضطراب ، ووضع في نفسه
إن أكل الشاعر من طعامه فإنه سيهجوه .. غير أن الشاعر انتبه إلى ما أصاب الرجل فترفق بحاله
ولم يطعم من طعامه .. ومضى عنه وهو يقول:
تغير إذ دخلت عليه حتى .. .. فطنت .. فقلت في عرض المقال
عليَّ اليوم نذر من صيام .. .. فاشرق وجهه مثل الهلال
ومن الأشعار الجميلة التي قيلت في ذم البخلاء الصائمين قول الشاعر:
أتيت عمرًا سحرًا .. .. فقال: إني صائمٌ
فقلت: إني قاعدٌ .. .. فقال: إني قائمٌ
فقلت: آتيك غدًا .. .. فقال: صومي دائمٌ
ومن ذلك ما قال أبو نواس يهجو الفضل قائلاً:
رأيت الفضل مكتئبًا .. .. يناغي الخبز والسمكا
فأسبل دمعة لما .. .. رآني قادمًا وبكى
فلما أن حلفت له .. .. بأني صائم ضحكا
وإذا كان الجوع سببا من أسباب رائحة الفم الكريهة ، فإن ريح فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ،
كما حدَّث بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم . وفي هذا المعنى يقول الشاعر الكبير " محمد حسن فقي "في قصيدة زادت أبياتها على 150 بيتا ، نظمها بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك :
رمضـان فـي قلبـي هماهـم نشوة ... من قبـل رؤيـة وجهـك الـوضــــــــــاء
وعلى فمي طعم أحسّ بأنه الكتاب... من طعــــــــــــم تلـك الجنـة الخـضـراء
لا طعم دنيانـا فليـس بوسعهـا ... بغتة تقديم هــذا الطـعـم للخلـفــــــــــــــــاء
مـا ذقـتُ قـط ولا شعـرت بمثله ... ألا أكــون بــه مــن السـعـــــــــــــــــداء
وفي الأدب العربي القديم والحديث تغنى الكثير من الشعراء بفرحة شهر رمضان ومنهم البحتري الذي قال في مديح الخليفة المعتصم:
بالبر تفطر وأنت أفضل صائم ٍ ...وبسنة ِ الله الرضية ِ تُفطر ُ
هذه هي بعض من مشاعر شعراء الإسلام في شهر الصيام وهناك الكثير والكثير الذي أغفلنا ذكره
ساق الله إليكم جميعاً سعادة إهلاله و وفقكم لفرضه ونفله ولا أخلاكم من عمل مقبول